مديحة ملاس – باحثة في القضايا الإجتماعية
“جمعنا الحجر الصحي خوفا من الجائحة وعرى الواقع سلوكاتنا الفاضحة”
شهر واحد و بضعة أيام كانت كافية لتعرية واقع الأسر العربية لتخرج البيوت أثقالها و تظهر شوائب الأزواج داخل الحجر الصحي الذي غير أساليب الحياة داخل المجتمعات و فرض إعادة جذرية لسلوكات الكثير من الأزواج الذين بدأوا يكتشفون نواقص و عيوب بعضهم عن قرب، و طلعت أسرار كانت مخزونة في دفاتر اليومي عند الأسر، حقيقة أن هذا الحجر الصحي فرض على أفراد الأسرة أسلوب التواجد وجها لوجه أمام ظروف الحياة، و فتح امتحانات عسيرة على وسائل التدبير المعيشي و كيف يمكن أن نتعايش و نعيش بأقل كلفة ، و أخرجت النسوة و الأمهات دروس الإقتصاد في جامعة المطبخ ، و بدأت الأسرة تعود الى العهد الذهبي لآبائنا أيام كنا نرسم دائرة ملتحمة حول صحن واحد تتشابك فيه الأيادي بهدوء ، و تختلط فيه المضغات مع الحديث و بعض المستملحات و الحكايات عن الأسرة و المدرسة و الجيران ، و اليوم جاء الفيروس التاجي ليغير كل شيء في أسرنا حيث صار حديثنا لا يحلو إلا عن كورونا و كيف أضحى حينا و مدينتنا ، و ملأ البيوت صخب الأطفال الذين كنا بالأمس لانراهم إلا وهم نيام ، أو حينما يستعدون للمدرسة يحملون المحافظ و حافظات الأكل و كأنهم مسافرون في عطلة .
كل هذا أخد منا وقتا قصيرا أيام الحجر الصحي الأولى ، لكن و بعدما انغمس مسمار الحصار في رؤوس الأزواج و الزوجات و تأكدت سيدة البيت أن زوجها سيصاحبها كالظل ، أيقنت أنها ستنكشف لامحالة و ستظهر العيوب و يطفو القلق و يتحول الكلام الى تراشق و قد يخرج عن السيطرة ، خاصة و أن المقاهي مغلقة و مكان اختباء الزوج مغلق الى إشعار جديد ، فهل يستطيع أن يتخد من زوجته صندوقا أسودا يحكي فيه خصوصياته و ما يعاني منه داخليا ، و قد حرمت هي الأخرى من حديث النسوة و صديقات كن بالأمس شريكاتها في أسرار الفراش و حديث الوسادة .
كورونا جاءت في وقت كانت الأسر على حافة الانهيار ربما كان هذا الحجر الصحي فرصة لإعادة ترميم البيت و حياة الأطفال الذين أجرناهم لمدارس حرة يتعلمون فيها بعض الأشياء الدراسية و كثيرا من أمور تدمر حياتهم على رأسها مخاطر الهاتف الجوال و مواد فاسدة يقتنيها أطفالنا من مواقع التواصل الاجتماعي و مواقع محرمة قانونيا و شرعا . و أما الأولياء فقد أخدتهم جرافات الزمن و قسوة ظروف الحياة و صعوبة مشاكل المعيشة و تحولوا الى آلات حساب و حديثهم لايتعدى أرقام الفواتير و قروض الأبناك ، و مع سرعة الضغط المعيشي صارت المرأة في نظر الزوج ماكنة الحصاد و صار الزوج في نظرها مكلف و آمر بالصرف و صنبور يجب أن يظل مفتوحا و ممنوعا من العطب أو التوقف ، و هذا هو جوهر تحول الأسر الى قنابل موقوتة تنتظر تفجيرها داخل محاكم الأسرة ليبدأ بعدها مسلسل الحرب و الإنقسام و التشتت المجتمعي .
شكرا لكورونا و لو أنها جاءت لتأخد الأرواح و لكن ما نجى منهم بفضل الحجر الصحي أدرك أن هذا الأخير كان له الفضل في رسم سياسة القرب الأسري مع أطفاله قبل أن يصبحوا بضاعة للإجرام , و فرصة جميلة ليرى عيوبه في غرف البيت الذي لم يعد يتذكر حتى ألوان صباغته ، فرصة أخرى لترتيب بيت الإقتصاد و حسن التدبير و إعادة حسابات التبدير ، فرصة أخرى ليرى جمال زوجته عن قرب و يحاول تصحيح نقط الخلل فيها ، فرصة و لأول مرة لتحويل مائدة الوجبات الثلاث الى موائد للحوار وسماع أصوات أبنائه بعيدا عن ضوضاء المقاهي التي يجد فيها راحة مدفوعة الثمن ، فرصة ليلعب دور رب الأسرة حكامة و ترشيدا و تدبيرا .
و شكرا لكورونا فتحت عيون نسائنا على أركان البيت المتعفنة و التي ربما كانت مصدرا للصراصير و الفئران و العنكبوث، فرصة الحجر الصحي كانت مناسبة جعلت المرأة تتفقد جمالها أمام مرآة عشش فيها الغبار و استبدلتها المرأة بمرآة أخرى في مقر عملها، فرصة أخرى لك سيدتي لتسمعين و تكتشفين أسرار ابنتك التي أوشكت على البلوغ و الإطلاع على أسرارها مع الصديقات قبل أن تقع الكارثة و الفضيحة وتصبح سلعة في متاجر الفايسبوك. الحجر الصحي جاء طاعونا و لكنه امتحان مجتمعي كانت جامعته بيوتكم و أنتم أساتذتها و طلبتها أبناؤكم ، فإما أن تكون نتائج جامعتكم مرضية و سليمة ما بعد كورونا ، و إما ستكونون أول زبائن محاكم الأسرة لتواجهون فيروسا اجتماعيا لا تصلح معه كل عقاقير العلماء، و سيكون ضحاياه الأوائل أولادكم الذين وصى الله عليهم في سورة لقمان.